«أنا أحكم أقرانى لأننى الوحيد بينهم الذى يعرف أنه لا يعرف شيئاً»، بهذه الجملة البليغة، وضع الفيلسوف سقراط أسس التفكير النسبى الذى لا بد أن يسرى فى كيان رجل العلم، هو تفكير يتواضع ويعرف أنه ليس المنتهى والسقف ونقطة الإجابة الحاسمة، لا يدّعى أنه قادر على حل كل شىء وأى شىء، تساؤل أصحاب هذا التفكير وحيرتهم لا ينم عن جهل، وتواضعهم لا يعبر عن ضعة وضياع، إنه مجرد اعتراف بالثابت الوحيد فى هذا الكون، إنه التغيير.كيف نقول عن بقال أو نجار أو حلوانى لم يقرأ برتراند راسل أو كارل ساجان أو سقراط أنه صاحب منهج علمى فى التفكير، وفى نفس الوقت نصف رجلاً حاصلاً على الدكتوراه بأنه لا يمتلك هذا المنهج؟! نعم من الممكن أن نقول هذا بمنتهى راحة الضمير وبدون أن يتهمنا أحد بالشطط أو الجنون، فالبقال الذى يرتب مصاريفه وينظم مكاسبه وفواتيره ويتوقع المستقبل، ويقيس رغبات الزبائن، ويدرس احتياجات منطقته السكنية وتوازنات السوق ويجرب أكثر من مورد حتى يستقر على أفضلهم، ويتعامل مع صبيانه ومساعديه بذكاء ويفهم نفسياتهم، ويفعل كل هذا دوماً وبانتظام وليس عرضاً أو بالصدفة أو كل ربنا ما يسهل، ولا يتواكل وينتظر كسولاً ضربات القدر، ولا يقول أنا خسرت لأن جارى البقال المنافس حسدنى أو «قر عليا»، والذى يعرف أن شكل البضاعة وترتيبها شىء مهم وليس رفاهية أو ترفاً.... إلخ، هذا رجل يفكر بمنهج علمى حتى ولو كان لا يفك الخط.أما عن حامل الدكتوراه الذى يخلع بالطو المعمل سريعاً ليسارع بحضور جلسة زار أو ليقرأ الفنجان، ويعتمد على قراءة الطالع لتحديد ماذا سيفعل وماذا سيتجنب؟، ويتشاءم لو دخل معمله فوجد شخصاً معيناً، ويمتنع عن العمل إلا إذا طردوا هذا الشخص، ويرفض شرب قهوة من الساعى الفلانى، لأنه ليس على نفس دينه أو حتى لو كان على نفس دينه فهو ليس على نفس مذهبه، وعندما يشاهد فيروس الإيدز فى عينة دم أحد المرضى يدينه ويقول يستاهل اللى حصل له!!، هذا البروفيسور غير متبع للمنهج العلمى برغم شهادات الدكتوراه المعلقة على الحائط وراء مكتبه.